نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية والتطورات المحلية والإقليمية ومستجدات العدوان الصهيوني على غزة الأحد 1 محرم
نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية والتطورات المحلية والإقليمية ومستجدات العدوان الصهيوني على غزة الأحد 1 محرم
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
بمناسبة دخول العام الهجري الجديد، نتوجَّه بالمباركة والتهاني إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، ومرابطيه المجاهدين في كافة الجبهات، وكافة التشكيلات العسكرية والأمنية، التي تؤدي واجبها الدين في الجهاد في سبيل الله تعالى، وخدمة شعبنا اليمني المسلم، كما نتوجه بالمباركة والتهاني إلى أمتنا الإسلامية كافَّة، وفي المقدمة والشعب الفلسطيني المظلوم، ومجاهديه الأعزاء.
ومناسبة دخول العام الهجري هي تلفت نظرنا جميعاً كمسلمين إلى ما يعنيه اعتماد الهجرة النبوية، لتكون هي الأساس في التاريخ للمسلمين، يعتمدونها أساساً لهم في التاريخ، فارتبط تاريخهم بها، وهذا يدل على أهميتها الكبيرة جداً، وما لها من دورٍ مهمٍ في ميلاد الأمة الإسلامية وقيامها، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، ولذلك سنتحدث في بداية هذه الكلمة عن هذا الموضوع؛ لاستلهام الدروس والعبر، التي نحن في هذا العصر في أمسِّ الحاجة إليها.
بمثل ما تشدنا مسألة الهجرة إلى استذكار الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ورسالته، وما بذله من جهود في هداية الناس، وإنقاذ المجتمع البشري، وفي مقدمته العرب آنذاك، فرسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هي رحمة، رحمةٌ للعالمين جميعاً، وفي المقدمة للمجتمع العربي؛ ولذلك قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: الآى107]، لذلك تشدنا هذه الذكرى إلى الرسالة الإلهية، بأهميتها، وعظمتها، وحاجتنا إليها في كل زمانٍ ومكان، فهي إرث الرسل والأنبياء، وخاتمة الرسالات، والمشروع المنقذ الإلهي للعالمين جميعاً، وقد تجلَّت عظمة الرسالة الإلهية في حركة الرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” بها، وأثمرت جهوده وجهود المسلمين الذين نصروه، وجاهدوا معه، في الانتقال بالعربي آنذاك من حالة الضياع التي كانوا فيها، من شركٍ، وجهلٍ، وأميةٍ شاملة، وخرافةٍ، وشتاتٍ، وفرقةٍ، وانقساماتٍ، وَتَدَنٍ في الأخلاق والقيم… إلى غير ذلك، وحالة الظلمات، ظلمات الجاهلية، والضلال المبين، الانتقال بهم من كل ذلك إلى النور والهدى، فنقلهم ليكونوا أمةً مُوَحِّدةً وَمُوَحَّدةً تحت راية الإسلام، ورائدةً في المجتمع البشري، وحاضرةً في الساحة العالمية بما يميزها، من نور الإسلام، ومبادئه، وقيمه، وأخلاقه، ومشروعه الحضاري العظيم.
وقد كانت هجرة النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” من مكة، بعد اليأس من المجتمع القرشي، وإكمال المهمة للدور المكي في مرحلته تلك، إلى المدينة، حيث الأنصار من الأوس والحزر، القبيلتان اليمانيتان، بما حظي به الأنصار من مؤهلاتٍ بالدور العظيم، والشرف الكبير، في الاحتضان للرسالة الإلهية، وحمل راية الإسلام، وقد بيَّن الله في القرآن الكريم المؤهلات الراقية للأنصار، للقيام بذلك الدور المهم والعظيم في النهوض تحت راية الإسلام، قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: الآية9]، صَدَقَ اللهُ العَلِي العَظِيم.
وقد جمعت هذه الآية المباركة المؤهلات الضرورية للنهوض بالمشروع الإلهي، المتمثل بالرسالة الإلهية، بالإسلام والدين الإسلامي العظيم، وهي مهمةٌ، ولابدَّ منها لأي مجتمعٍ ينهض بالإسلام وتحت راية الإسلام، في أي زمان، وفي أي مكان:
• وفي بداية هذه المؤهلات، في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ}:
كان من الملفت هو هذا التعبير: أن يقول: {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، فكأنهم سكنوا إلى الإيمان، واستوطنوه واستقروا فيه كما سكنوا في ديارهم، وهذا يُعبِّر عن الانتماء الإيماني الراسخ المتمكِّن، الذي لا تزلزله الشدائد ولا الإغراءات، فلا يتغيرون بفعل الشدائد عن انتمائهم، وعن ثباتهم، ولا بفعل الإغراءات والعوامل المؤثرة الأخرى، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، عبَّرت عنها الآية المباركة بهذا التعبير: {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، فكأنهم سكنوا في الإيمان واستوطنوه، واطمأنوا إليه كما يطمئن الإنسان ويستقر في داره، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً، فتميّزوا بانتمائهم الإيماني الثابت، الراسخ، المتمكّن، الذي جمع ما بين التزام العبادة والتزام المسؤولية، وليس مثل انتماء البعض من الأعراب، الذين حكى الله قصتهم في (سورة الحجرات): {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: من الآية14]، فكان هناك فارق بين هذين النموذجين:
– نموذج يُعبِّر القرآن الكريم عن مدى انتمائه الإيماني، وثباته، ومصداقيته في الانتماء الإيماني، بهذا التعبير العظيم، الذي يعبِّر بشكلٍ جلي عن مستوى الرسوخ، والثبات، والتمكُّن، والاستقرار.
– وعن تلك الحالة التي هي حالة كلامية، ولكنها بعيدة عن المصداق الواقعي للإيمان.
فانتماؤهم- بالنسبة للأنصار- انتماؤهم الإيماني كان يجمع بين التزام العبادة، والتزام المسؤولية، والمناصرة، والجهاد، والتضحية؛ فحملوا الإسلام كمشروع، ورسالة، ومسؤولية، وعملوا لإقامته، لإحيائه، لرفع رايته.
• ثم كانت الميزة- وهذه ميزة أساسية، ومن أهم المؤهلات الضرورية- ما كان أيضاً- وهي مرتبطة بهذا الجانب- كان من المؤهلات المهمة: أنهم كانوا نواةً، ومجتمعاً، ودائرة قابلةً للنمو والتوسع والبناء:
ليسوا أنانيين، منغلقين على أنفسهم بعصبيات، أو مصالح ضيقة، أو حسابات ضيقة، هم ذائبون في الإسلام، همهم هو راية الإسلام، ورسالة الإسلام، والمشروع الإسلامي، والمناصرة الصحيحة، الصادقة، الجادة للرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”؛ ولذلك عبِّر عنهم بهذا التعبير المهم: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، بعظيم محبتهم للإسلام، وذوبانهم فيه، وحرصهم على كل ما يمثِّل عامل قوة في الانتصار، وفي إقامة الإسلام، وفي التمكُّن من النهوض في المشروع الإلهي في الأرض، فهم كانوا على هذا المستوى، على هذا النحو: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، يفرحون ويحبون من يهاجر إليهم؛ لأنهم يجدون فيه لبنةً في بناء صرح الإسلام العالي والشامخ، والبنيان العظيم للإسلام، فهم يحبونه؛ لمحبتهم العظيمة للإسلام، ولوعيهم بأهمية الدور لكل ما يمثل عامل قوة في بناء الأمة الإسلامية، وذوبانهم في خدمة الرسالة الإلهية، إضافةً إلى أنهم يحملون قلوباً زكت، ونفوساً زكت بالإسلام وبالإيمان، ليست مليئة بالأنانية والأحقاد، والحسد، والعقد.
• وقلوب في نفس الوقت- وميزة هي أيضاً مرتبطة بهذه المؤهلات، ميزة مهمة للغاية- قلوبٌ تحمل إرادة الخير للآخرين، وسليمةً من الحسد والضغائن:
لأنك عندما تتحمل في إطار هذا المشروع العظيم نشر الرسالة الإلهية وهدى الله، لِيَعُمَّ بخيره ونوره الآخرين، لابدَّ أن تحمل إرادة الخير للآخرين في قلبك، وفي نفسك، هذه مسألة مهمة جداً، إذا لم تحمل هذه الإرادة، إذا لم يكن لديك هذا التوجه، هذه النفسية والروحية؛ فستكون أبعد ما تكون عن التحرُّك الجاد، الصادق والواعي، المشرف والعظيم في إطار هذه المسؤولية المقدسة، لنشر الإسلام، وحمل رايته، والنهوض بمشروعه.
وعبَّر عن هذه المسألة بقوله تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}، (لَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً): لا حسد، ولا ضغائن، ولا حساسيات، ولا عُقد… ولا أي شيء مما يبعث عليه الطمع، أو الرغبة، أو الحسابات والمصالح الشخصية… أو غير ذلك، (مِمَّا أُوتُوا) يعني: مما يؤتى المهاجرون، مما يعطى لهم: سواءً على المستوى المادي، أو على المستوى المعنوي، فليست لديهم حساسيات تجاه الآخرين، وما يعطى للآخرين في إطارهم الإسلامي، وفي إطار مجتمعهم كنواه مسلمة مكونة من المهاجرين والأنصار، وهذه ميزة مهمة؛ لأنَّ من أهم وأخطر عوامل الفرقة وأسوئها هي: الحساسيات والعُقَد، النابعة من الحسد تجاه ما يؤتى الآخر، ممن هو في صفك، في إطار أمتك، في إطار مشروعك العظيم، عندما تنتشر حالة الأنانيات والحسد، لا تبقى معها أُلفة، ولا أُخوَّة، ولا تعاون، ولا تفاهم، ولا وئام، ولا يتحقق التوحُّد المطلوب، المطلوب شرعاً، والمطلوب واقعاً للنهوض بالمشروع الإلهي، وفي نفس الوقت تمثيله، وتجسيد قيمه وأخلاقه، فهذه ميزة تدل على سلامة صدورهم من آفة الأنانية، والحسد، والعقد… وغير ذلك.
• ثم أيضاً المزية الرابعة، وهي ذات أهمية كبيرة جداً، وتعتبر في موقعها في الأخلاق والقيم ذات مستوى متقدم، وعالٍ، وراقٍ جداً، قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}:
يحملون روحية العطاء والإحسان والتقدمة، إلى درجة الإيثار على النفس، حتى مع الظروف الصعبة، ومع الفقر والحاجة، فهم يحملون هذه الروحية الممتازة العظيمة جداً، وهي مؤهلةٌ كبيرة جداً للنهوض والمسؤولية، عندما يكونون من يتجهون في إطار المشروع الإلهي بهذه النفسية، بهذه الروحية: روحية العطاء، البذل، التقدمة، يقدِّمون الجهد، يقدِّمون المال، لا يبخلون بشيء، وهم سليمون من الحساسيات والعقد والأنانيات، التي تسبب الفرقة، وتثير الخلاف، والنزاع، والشقاق، والأطماع، والتغالب على الأطماع.
• ثم يختمها بختامٍ عظيمٍ ومهم، له علاقةٌ بها بكلها، وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}:
بتلك المواصفات التي تقدمت، وقاهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من شُحّ النفس، وَشُحّ النفس يعتبر من أخطر العوائق المعوّقة عن الفلاح، التي تعيق الإنسان عن الفلاح بما يعنيه: من الضفر بالخير، والفوز بالخير، والنجاح في الوصول إلى الأهداف العظيمة، والضفر بالمطلوب الذي يسعى الإنسان لتحقيقه، وفي المشروع الإلهي، في المشروع الإسلامي، في مشروع الرسالة الإلهية، الإنسان يسعى لتحقيق أهداف عظيمة ومقدسة في الدنيا والآخرة، والغاية عظيمة: رضوان الله، والجنة، والنجاة من عذاب الله، والثمرة العاجلة في الدنيا: العزة والكرامة، والحريَّة بمفهومها الصحيح، والعدل والخير، أهداف عظيمة جداً، ونجاحات ذات أهمية كبيرة للإنسان، في سموِّه الإنساني، وفي كرامته الإنسانية، وأيضا فيما يأمله كإنسان مؤمن من أهدافٍ إيماني.
فأمكن بتلك المواصفات العظيمة، التي تعني السلامة من شُحِّ النفس، الذي هو أخطر المعوّقات، فالسلامة منه ساعدت على الفلاح، على النجاح؛ ولهذا كانوا حاضنةً ناجحة، الأنصار حاضنة ناجحة، نجحت في تحركها بالمشروع الإلهي، في أن تذوب كأمة، كنواة، مع المهاجرين لتكوين مجتمعٍ واحد، والنهوض بحمل المشروع الإلهي، والرسالة الإلهية، وحمل راية الإسلام، فتحققت النجاحات الكبيرة، والانتصارات العظيمة، التي تغيَّرت بها حالة العربي جميعاً آنذاك وانتقلت بهم إلى واقعٍ مختلف، بالرغم من أن التحديات كانت كبيرة وكثيرة، في محيطهم على المستوى العربي، ومحيطهم على المستوى العالمي، لكن بتلك المواصفات أمكن لهم أن يحظوا برعاية الله، وتأييد الله، ومعونة الله، ونصره، وكان لديهم القابلية لأن يتحركوا بالمشروع العظيم الإلهي.
فإذاً يتبين لنا خطورة الشُح، الشُح بما يعنيه من نفسية الأخذ، والاستحواذ، والأنانية، وعدم إرادة الخير للآخرين، الذي هو مصابٌ بشُح النفس، ريد أن يأخذ ولا يريد أن يعطي، يريد أن يستحوذ على الأشياء هو لنفسه، يتمحور دائماً حول ذاته، حول ما يتصور أنه يمثل مصالح شخصية له، يجعل ذلك فوق كل شيء، فوق كل الاعتبارات، فوق كل الأمور، مهما كانت عظيمة ومهمة، وهي نظرة خاطئة؛ لأن الخير الحقيقي، والمصلحة الفعلية للإنسان، هي: عندما يذوب في الله، وعندما يتَّجه الاتجاه العام ضمن أمة، في مشروعٍ إلهيٍ عظيم، هذا عائدته لك شخصياً عائدٌ عظيم، ثمرته ثمرةٌ كبيرة، عواقبه هي العاقبة التي وعد الله بها المتقين في الدنيا والآخرة.
ولكن عندما ينفصل الإنسان من التَّوجُّه العام، إلى التمحور حول الذات والحسابات الشخصية؛ يصبح مكبلاً ومقيداً بالأنانية، بالحساسيات والعقد، بالنظرة الضيقة والحسابات الضيقة؛ وبالتالي لا يحمل روحية العطاء، روحية التقدمة، روحية البذل للجهد، والبذل للعمل، والإيثار على النفس، مثل: تلك المواصفات العظيمة، ولا يسلم قلبه من حمل العقد والأحقاد، بدلاً من: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، يمكنه أن يحمل في قلبه العقد، بل إلى درجة الكراهية أحياناً، لمن هم من رفاقه في إطار المشروع الإلهي، والمسؤولية الجهادية والإيمانية؛ فيصبح قلبه ممتلئاً بالعقد، والأحقاد، والضغائن، ليس قلباً سليماً، ليس صافياً بالمحبة الصادقة؛ بل هو مُعقَّد، هذا يؤثِّر حتى على مستوى التوحد، وبذل الجهد الجماعي، والتعاون اللازم، الذي لابدَّ منه لانتشار نور الإسلام، ولانتصار المشروع الإلهي، لابدَّ من أمة مُوَحَّدَة، وَمُوَحِّدة لله تعالى، متآخية، متعاونة، تسود بينها الألفة، والمحبة، والوئام، والتفاهم، والتعاون على البر والتقوى، فإذا دخل الشُّح؛ تفرَّع عنه:
– الأنانية.
– الأحقاد.
– العقد.
– الحسابات الشخصية.
– التمحور حول الذات.
– الحسابات الضيقة.
بدلاً من أن تنظر نظرة الإسلام: ما الذي يمثل قوةً للأمة، ما الذي فيه الخير، ما الذي يؤدي إلى انتصار أمتك التي أنت منها؛ تحسب دائماً حساب واقعك أنت، شخصيتك أنت، مصالحك الشخصية في حدودها الضيقة فقط؛ هذا يُكَبِّل الإنسان عن مستوى العطاء، عن مستوى ما يُقدِّم، عن مستوى العمل، يترك الكثير من الأعمال، لا يُقدِّم الكثير من الأشياء؛ لأنه يحسب دائماً الأمور بالحسابات الضيقة، من منظوره الشخصي، ومصالحه الشخصية، وهي حالة خطيرة جداً، يؤثِّر ذلك على الإنسان؛ ولذلك لا يتحقق الفلاح، بما يعنيه من: ضفرٍ بالخير، وفوزٍ، ونجاة، الذي وعد الله به المؤمنين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون: الآية1]، هم في هذه الحياة هم الفائزون، الذين يضفرون بأعظم وأسمى ما يمكن أن يضفر به أحد ويفوز به أحد، فوزهم لا مثيل له أبداً، ما يتحقق لهم من النتائج والغايات العظيمة في الدنيا والآخرة لا مثيل له أبداً، المستقبل الأبدي هو لهم، لصالحهم: رضوان الله، وجنته، والسلامة من عذابه، في الدنيا يتميزون عن كل المجتمع البشري، بما تميزوا به من نور الإسلام وهداه، وتجسيد قيمه وأخلاقه، وما يترتب على ذلك في واقع حياتهم: على مستوى سموِّهم الإنساني، وعلى مستوى النتائج في الواقع، فلا فلاح ولا نجاح، ولا فوز ولا ضفر، ولا وصول للأهداف العظيمة المُقدَّسة، لا لشخص، ولا لمجتمع، ولا لأمة؛ إلَّا بالخلاص من الشُّح؛ لأنَّ الإنسان في حالة الشُّح، يجمع بين الطمع وبين البخل، وبين السيطرة، والاستحواذ، والتغلُّب، والأنانية، والنظرة الشخصية، والتمحور حول الذات، كلها أمور تبعثر الأمة، تفرقها، تَحُوْل بين أن تتجه أي أمة أو أي جماعة اتجاهاً صحيحاً، قائماً على التكامل، على التعاون، على تضافر الجهود، على توجيه جهدٍ جماعيٍ منسقٍ في اتجاه تحقيق نتائج معينة، والنهضة بأعمال معينة، وهذا واضحٌ في الآية المباركة: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
يكون دور الإنسان إذا سلم من الشُّح يكون دوراً بنَّاءً مثمراً، يكون مجهوده قوياً، نفسه زاكية، هو غير مكبَّل في التحرك بكل طاقاته وجهوده، للإسهام في نصرة الإسلام وخدمة قضيته، والنتيجة هي الفلاح؛ ما نعطيه لأجل الإسلام، ما نعطيه في سبيل الله تعالى، ثمرته لنا، كما حصل في واقع المسلمين الأوائل: كانت النتيجة لصالحهم: عِزَّةً، حُرِّيَّةً، كرامةً، سمواً؛ حتى أصبحوا الأمة الرائدة في الأرض.
وللأسف الشديد فالشح حالة حاضرة في هذه المرحلة في واقع المسلمين وبشدة، وعائق خطير، عائق خطير في واقع الأمة، معوِّق عن الخير، ويَحُوْل بين الأمة وبين الفلاح والنجاح والضفر، أن تكون أمة ناجحة، أمة تخرج من حالة الفشل والإخفاق والخسارة؛ لأن البديل للفلاح هو الخسارة، هو الفشل، هو الضياع هو الإخفاق، لا ترتفع للأمة راية، ولا يقوم لها بنيان، إذا بقيَّت في حالة الشُّح.
وحذَّر الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” في نصوص كثيرة من الشُّح:
من ضمن ذلك: فيما روي عنه قوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((إِيَّاكُمْ وَالشُّح فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّح، أَمَرَهُمْ بِالكَذْبِ فَكَذَبُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالظُّلمِ فَظَلَمُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا))، الإنسان بالشح يكون على قطيعة حتى مع البعض من أقاربه وأرحامه، مع إخوته في الجهاد في سبيل الله في الإسلام، مع مجتمعه، يدخل في حساباته الضيقة تلك؛ فيكون مُؤْثِراً لها على كل شيء.
يقول أيضاً فيما روي عنه: ((لَا يَجْتَمِعَ الشُّح وَالإِيْمَان فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَداً))، فعلاً الإيمان حاله في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه، في أثره، في الإنسان تتنافى تماماً مع الشُّح.
يقول أيضاً في سياق نصٍ آخر: ((وَاتَّقُوا الشُّح))، يعني: احذروه، احذروه، اسعوا للوقاية منه، فيما يَقِيكُم منه، ((فَإِنَّ الشُّح أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُم عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ))، يصل بالإنسان إلى ذلك المستوى: إلى التوحش، لمصالحه الشخصية وحساباته الشخصية يفقد إنسانيته، يفقد الرحمة، القيم العظيمة التي تميِّز الإنسان كإنسان، ويتحوَّل إلى متوحش، هائج وشرير؛ من أجل مصالح شخصية ضيقة، مستعد حتى أن يسفك دماء الآخرين، يكرههم، يبغضهم، يعاديهم، يتحرش بهم، يدخل في مشاكل كبيرة معهم، يستفزهم، ويصل معهم إلى درجة سفك الدماء، حالة خطيرة جداً، وهو حالة ينبغي الحذر منها، في تأثيرها السيئة على الأمة، على الإنسان كشخص.
لذلك ينبغي الحذر من الشح، وفي المقابل ينبغي السعي لحمل المؤهلات العظيمة التي حازها الأنصار آنذاك، لماذا؟ لأنَّها مؤهلات ضرورية، ضرورية لأي مجتمعٍ يحمل راية الإسلام والجهاد، ويتحرك لنهضة المسلمين، ولبناء الحضارة الإسلامية في أي زمن، في أي زمنٍ لابدَّ من هذه المؤهلات، وجديرٌ بشعبنا اليمنى المسلم العزيز، يمن الإيمان والحكمة، الذي قال عنه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”: ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، أن يرث من آبائه الأوائل هذا الدور العظيم، في حمل راية الإسلام والجهاد، وأن يكون الإسلام هو مشروعه في هذه الحياة بهذه المؤهلات، مؤهلات عظيمة وراقية، وضرورية لهذا الدور، مرتبطةٌ به تماماً.
ومن المهم أيضاً، من المهم جداً لكل المسلمين أن يكون من أهم الدروس من هجرة النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: والوعي بأسباب خسارة مجتمع مكة القرشي، وفوز وفلاح مجتمع الأنصار في المدينة، أن يكون من أهم الدروس والتمسُّك بأصالة الإسلام، وتجسيد قيمه، والحذر من الزيغ، المجتمع المكي لم يفلح آنذاك، خسر، خسر أشرف دور، وأقدس مهمة: أن يكون هو الذي ينشر نور الإسلام، ويحمل راية الإسلام، ويحظى بالشرف العظيم، واتَّجه في اتجاه آخر، لمحاربة النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”؛ أمَّا مجتمع الأنصار فهو المجتمع الذي أفلح، ونجح، وضَفِر، وفاز بالشرف العظيم، وبالنتائج العظيمة التي لها مكاسب كبيرة جداً في الدنيا والآخرة؛ فيتضح في خيارات الأمم، وخيارات الشعوب، وخيارات المجتمعات، ما هو الخيار الصحيح.
خيارنا الصحيح كمجتمعٍ يمنيٍ مسلم، والخيار لكل المسلمين جميعاً في كل الدنيا، هو: العودة إلى أصالة الإسلام، والتَّمسُّك بمبادئه وقيمه التي تنهض بالأمة، ثمرتها للأمة، للمسلمين؛ ليعودهم إلى الدور المفترض بهم، إلى دورهم الحقيقي، ومسؤوليتهم المقدسة، التي تجعل منهم هم الأمة الرائدة في كل الدنيا، الرائدة للمجتمع البشري، التي تنشر نور الإسلام، ومبادئه، وقيمه، ونحن في هذه المرحلة في الجاهلية الأخرى أحوج ما نكون إلى الإسلام؛ لأننا نرى القوى الأخرى المناوئة للإسلام، والمحاربة للإسلام، كيف تنحط بالمجتمع البشري عن قيمه الإنسانية، وعن الأخلاق البديهية والفطرية، وكيف تنشر الظلم والفساد والإجرام في الدنيا، وتسبب الشقاء للمجتمعات، وتنشر في كل أرجاء الدنيا الضلال والفساد، كمهمة أساسية لها، وهي التي ارتبطت بالشيطان، ارتبطت بالشيطان وأصبحت تتحرك تتحركاً شيطانياً لإفساد المجتمعات البشرية، وإغوائها وإضلالها؛ وبالتالي يتَّجه أثر ذلك في واقع المجتمعات البشرية، إلى حالة الشقاء بكل ما تعنيه الكلمة؛ ولذلك نرى الواقع العالمي اليوم- حتى في مختلف المجتمعات- واقعاً يعاني من أزمات كثيرة في كل شيء: أزمات سياسية، أزمات اقتصادية، أزمات اجتماعية… مختلف الأزمات، وكل تلك المعاناة صنعها أولئك الأشقياء، الضالون، المجرمون، من قوى الشر والاستكبار والطاغوت، الذين يتحركون تحركاً وامتداد للشيطان في إغوائه للبشر وعدائه للبشر؛ لابدَّ أن يُقابل ذلك بالإسلام، بمشروعه العظيم، الإسلام كرسالة، والإسلام كمشروع، يُنقذ البشر، يحررهم من العبودية للطاغوت، يحفظ لهم القيم الأصيلة الإنسانية الفطرية الإلهية، التي تحقق لهم الخير، وتسمو بهم، وتحميهم من التبعات والآثار السيئة للفساد، والضلال، والباطل، والشر، والإجرام، والظلم، والطغيان.
فالمسلمون بحاجة إلى أن يعودوا إلى أصالة الإسلام، لا أن يتَّجهوا ضمن خضوعهم لقوة الطاغوت والشر، التي تبعدهم عن أصالة الإسلام، عن نوره، عن مشروعه العظيم، أن يتجهوا إلى الزيغ، وهذا ما هو حاصلٌ بالنسبة لبعض الأنظمة العربية، وفي المجتمع الإسلامي- في مناطق متعددة وللأسف الشديد- وصل الحال ببعض الأنظمة العربية أن ترتبط باليهود الصهاينة، وبمعاهد ومؤسسات هي مؤسسات تابعة لليهود الصهاينة، ومن مؤسساتهم المعروفة بلا إشكال- يعني: شيءٌ ثابت، ليس مجرد اتهامات، وحقائق ثابتة ومعروفة- في أن يغيروا المناهج الدراسية لصالح اليهود، فيما يُدَجِّن شعوب هذه الأمة لليهود الصهاينة، وفيما يرسِّخ نظرة خاطئة، وجاهلة وسخيفة، إلى أعداء هذه الأمة من اليهود الصهاينة وأعوانهم، أعوانهم من الكافرين والمنافقين، كلها تُدَجِّن الأمة لهم، وتُخضع الأمة لهم، وتُقدِّم نظرة غير صحيحة، غير واقعية لهم، وكأنهم هم من يحملون الخير للمجتمع البشري، بكل ما هم عليه من إجرامٍ واضح، لو لم يكن إلَّا ما يحصل حالياً في غزة منذ بداية عدوانهم الأخير على قطاع غزة، وما حصل من دعم ومساندة لهم من الأمريكيين، وبعض الدول الأوروبية، وما يتجلَّى في العالم من اتجاه للانحدار بالمجتمع البشري، على يد اليهود الصهاينة وأعوانهم من الكافرين والمنافقين، الانحطاط بالمجتمع البشري إلى الهاوية، والانحدار به إلى الهاوية؛ لنبذ الأخلاق، للتنكر للقيم، للتوحش، للدناءة والانحطاط، وصولاً إلى الظاهرة التي انتشرت في المجتمعات الأوروبية، من اختيار البعض من البشر إلى أن يحوِّلوا أنفسهم وكأنهم بشكل حيوانات أخرى: كلاب، وقردة… وغير ذلك، ذلك الاتجاه هو اتجاه يستهدف البشرية؛ لإذلالها وإهانتها، وفقاً للنظرة اليهودية التي تعتبر بقية البشر غير بشر حقيقيين، هذه نظرة بالنسبة لهم نظرة معتمدة، وفكرة قائمة، ويتحركون على أساسها، ويريدون أن يتَّجهوا بالمجتمعات البشرية لتقِّدم شواهد على ذلك: أنهم ليسوا ببشر حقيقيين، حتى في عالمنا العربي، في عالمنا الإسلامي يريدون من ابناء هذه الأمة أن يتحولوا إلى وضعية يقدِّمون فيها الشاهد على أنهم ليسوا بشراً حقيقيين، ويعترفوا على أنفسهم بذلك، هذا شيءٌ مؤسف!
هجمة التزييف كبيرة وخطيرة، وهدفها: تدجين المسلمين لأعدائهم اليهود الصهاينة، وأعوانهم من الكافرين والمنافقين، وهي تعمل بشكلٍ واسع في تغيير المناهج الدراسية وفق ذلك التوجه، كما هو حاصل في السعودية، والإمارات، ومصر، والمغرب، بإشراف وتقييم من لجان وجهات يهودية إسرائيلية.
وكذلك الهجمة الإعلامية، والحرب الناعمة في شقيها (الإضلال الفكري، والإفساد الأخلاقي)، هي هجمة غير مسبوقة على أبناء هذه الأمة، غير مسبوقة في وسائلها، وأدواتها، ووسائلها، وتستهدف المسلمين؛ بهدف السيطرة عليهم عبر ذلك، استهداف خطير جداً، استهداف خطير، وهدفه السيطرة الكاملة على الإنسان، الإنسان المسلم، ويشتغلون بذلك في بقية المجتمعات البشرية.
أيضاً مسار الاستقطاب للخيانة، والعمالة، والاختراق للمجتمعات والشعوب والدول، تحت هذا العنوان، في هذا المسار نفسه، مثلما لاحظنا في بلدنا، فيما يتعلق بالخلايا التي كانت تعمل لصالح العدو في مختلف المجالات، ولا يزال هناك خلايا، البعض منها سيكشف النقاب عنها قريباً إن شاء الله.
لذلك ينبغي الحذر، وأن تكون مثل هذه المناسبة المباركة: العام الهجري، دخول العام الهجري… وغير ذلك من المناسبات، مما تستفيد منه أمتنا، في التحصين لوضعها الداخلي من الاختراق المعادي الحقود، المفسد المضل لها، وأن تكون أيضاً من العوامل المهمة لاستنهاض الأمة، للعودة إلى أصالة الإسلام، والنهوض وفق دورها ومسؤوليتها الحقيقية.
كذلك بالنسبة للأخوة المسلمين في المجتمعات الغربية، والبلدان التي هم فيها أقلية، من المهم أن يحرصوا على تجسيد قيم الإسلام، وإظهار عظمته، وجمال قيمه وأخلاقه، وأن تكون أيضاً كلمتهم موحدة، بما يساعدهم على أن يحافظوا على أنفسهم، وأن يحظوا بحقوقهم، وأن يكون إسهامهم في بلدانهم إسهاماً عظيماً، قيمياً، أخلاقياً، مُصلحاً… إلى غير ذلك.
أيضاً فيما يتعلَّق ببداية العام الهجري، هي أيضاً فرصة للإنسان، فرصة مهمة جداً، بالنظر إلى انتهاء عام وبداية عامٍ جديد، هذه المناسبة هي مهمة ليلتفت الإنسان إلى واقعه الشخصي، على المستوى الشخصي؛ لتقييم نفسه، بدءاً بعلاقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كمرتكز أساس لبقية الأمور، لبقية التفاصيل، لبقية المواضيع، وأيضاً التقييم على مستوى جماعي، كأمة منطلقة، وكمن تربطهم مسؤولية واحدة، توجه واحد، تقييم الإنسان لأدائه لمسؤولياته على المستوى الشخصي، وفي إطارٍ جماعي، وبناءً على ذلك: يدرك الإنسان جوانب النقص والقصور لديه، ويتحرك بعزمٍ جديد، وانطلاقةٍ جادة، مستعيناً بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، منطلقاً على أساس الاهتمام بأولويات مهمة وواضحة ومحددة، في إطار مسؤولياته.
الأعوام التي تمضي من عمرك، من حياتك، ما مضى هو من عمرك الذي يطويه الزمن، وصولاً إلى الأجل، ثم الرحيل من دار الفناء؛ لذلك من المهم جداً للإنسان أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المراحل الزمنية، ما مضى كعام هو عامٌ من عمرك، الذي يطويه الزمن، وينتهي بالأجل، لتنتقل من دار الفناء، إلى الدار الآخرة، أمامك المسؤولية، والحساب، والجزاء، لا يغفل الإنسان ويفرِّط ويضيع الوقت ثم يندم، عندما يحين الانتقال من هذه الحياة، هذا على مستوى البعض من الدروس والعبر ذات الأهمية الكبيرة جداً لنا للاستفادة من هذه المناسبة.
فيما يتعلَّق بالمحاور الأخرى:
من أبرز ما يعنينا في بداية هذا العام، وفي هذا العام بشكلٍ عام في بلدنا، وضمن اهتماماتنا ومسؤولياتنا، هو: العمل على تشكيل الحكومة، وكذلك الانطلاقة في تصحيح وضع القضاء:
كُنَّا أعلنا هذه المسألة في كلمتنا في ذكرى المولد النبوي الشريف، ولكن طرأ من بعد ذكرى المولد النبوي ما طرأ من الأحداث: طوفان الأقصى، وتطورات الوضع في فلسطين، فاتَّجهنا بأولويتنا للاهتمام بذلك، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، وهي أولوية تستحق منَّا، بحسب أهميتها الدينية، والإنسانية، والأخلاقية، تستحق منَّا أن نعطيها الاهتمام، ومع ذلك بقي ضمن اهتماماتنا الأساسية التحضير المستمر في عملٍ مستمر للتغيير الحكومي، وكان العمل في عدة مسارات أساسية:
– منها مراجعة هياكل ونُظُم الحكومة، ووزاراتها، ومؤسساتها، وتشخيص مكامن الخلل، والتضخم، والتداخل فيها، ومن ثَمَّ إعادة تصميم الهياكل، والأهداف، والمهام من جديد، وهذا المسار تطلَّب جهداً ووقتاً، مع استقبال أيضاً المقترحات والأفكار الكثيرة التي وصلتنا، من كثير من الشخصيات والجهات، ومراجعتها، والتدقيق فيها، والاستفادة منها.
– المسار الثاني: كان هو استقبال الترشيحات، والاقتراحات المتعلِّقة بمسألة التعيينات، والمسؤولين، والموظفين، ودراستها، وإخضاعها للتدقيق، والفحص، وللتقييم وفق مجموعة من المعايير، وبالمناسبة وصل إلينا الآلاف من الأسماء المقترحة، والمرشَّحة.
– والمسار الثالث: هو إعداد موجِّهات برنامج عمل الحكومة؛ لضبط مسار عملها بعيداً عن الشتات، وبما يساعدها على تحديد أولوياتها وفقاً لذلك.
هذه كانت ثلاث مسارات تأخذ جزءاً أساسياً من الوقت والاهتمام، وبشكلٍ مستمر، مع الشواغل الأخرى، ومع الأولوية الكبرى فيما يتعلَّق بـ (معركة الفتح الموعود والجهات المقَّدس)، وهناك تفاصيل كثيرة سنتحدث- إن شاء الله- عنها مع إعلان الحكومة، في كلمة مخصصة لذلك، مع نقاط أخرى مهمة تتعلق بهذا الموضوع إن شاء الله، هذا ما سنحرص عليه- إن شاء الله- في بداية هذا العام، خلال شهر محرم وشهر صفر، كذلك فيما يتعلَّق بوضع القضاء.
…